تفسير القرآن بالقرآن: أمثلة واضحة

أمثلة تفسير القرآن بالقرآن

تفسير القرآن بالقرآن هو من أرقى أنواع التفسير التي اعتمدها العلماء لفهم معاني القرآن الكريم وتوضيح آياته. يعتمد هذا النوع من التفسير على تفسير الآية القرآنية بالرجوع إلى آيات أخرى من نفس الكتاب العزيز، مما يضمن بقاء المعنى كما هو دون تحريف أو خروج عن النصوص الأصلية. إن هذا الأسلوب لا يعتبر فقط من الأدوات العلمية الموثوقة في تفسير القرآن، بل هو من أبلغ الطرق وأقوى أساليب الفهم التي تبين كيف أن القرآن الكريم يفسر بعضه البعض.

مفهوم تفسير القرآن بالقرآن

تفسير القرآن بالقرآن يشير إلى تفسير الآية القرآنية باستخدام آية أخرى في نفس السياق الموضوعي أو اللغوي. يعتمد هذا التفسير على فكرة أن القرآن الكريم، الذي أُنزل من عند الله عز وجل، هو كتاب متكامل حيث يكمّل بعضه بعضًا. لذلك، يمكن للآيات أن توضح وتشرح آيات أخرى في إطار مواضيع متقاربة أو متممة، وهو ما يتيح للمتأمل أن يتوصل إلى المعنى الحقيقي من خلال القراءة الربانية المتكاملة.

التفسير بالقرآن هو أسلوب مبني على منطق أن القرآن نفسه هو أصدق مصدر لفهم معانيه، لأنه يحتوي على آيات تفسيرية توضح معاني بعضها البعض. ومن المعروف أن هذا النوع من التفسير يعتبر من أسس التفسير لدى الصحابة ومن بعدهم من العلماء والمفسرين.

لماذا يعتبر التفسير بالقرآن أساسياً؟

تفسير القرآن بالقرآن يتسم بعدة مزايا تجعله منهجًا علميًا محوريًا في فهم الكتاب الكريم:

1. حفاظ على وحدة المعنى: إذا تم تفسير الآية باستخدام آية أخرى، فإن ذلك يضمن عدم الخروج عن المعنى المقصود لله تعالى، مما يحافظ على دقة الفهم ويمنع أي تأويل خاطئ.

2. وضوح السياق: القرآن الكريم نفسه يشتمل على العديد من الآيات التي تشير إلى مفاهيم مشابهة أو متداخلة، وبالتالي فإن تفسير القرآن بالقرآن يمكن أن يكشف عن سياق أوسع وأعمق للآية.

3. قوة الربط بين الآيات: يربط هذا التفسير بين الآيات بشكل متين، مما يساعد في استكشاف المعنى العميق ويفتح المجال لفهم أعمق، سواء من الناحية اللغوية أو الفقهية أو العقدية.

4. دقة الفهم: التفسير بالقرآن يعزز الفهم الصحيح للآيات ويمنع أي سوء فهم أو انحراف قد ينتج عن محاولة تفسير القرآن استنادًا إلى مصادر أخرى قد تكون غير دقيقة.

أمثلة على تفسير القرآن بالقرآن

1. تفسير آية النور (آية 35 من سورة النور)

من أشهر الأمثلة على تفسير القرآن بالقرآن هي آية النور في سورة النور، التي ورد فيها قوله تعالى:

“اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ…”

تفسر هذه الآية من خلال آيات أخرى تتحدث عن نور الله، ففي سورة الشورى، يقول الله تعالى:

“اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ يَدَبِّرُ الْأَمْرَ…” (الشورى: 11)

الربط بين هاتين الآيتين يوضح أن نور الله ليس نورًا ماديًا كما يفهم البعض، بل هو نور هداية وإرشاد. حيث إن نور الله في آية النور لا يتعلق بنور مادي، بل هو نور معنوي يهدى به الله من يشاء من عباده.

2. تفسير الآية الكريمة: “إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ” (النساء: 48)

تفسير هذه الآية الكريمة يتم عبر الرجوع إلى آية أخرى في سورة الفرقان، حيث يقول الله:

“إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ…” (الفرقان: 70)

الربط بين الآيتين يوضح أن المشركين الذين يصرون على الشرك لا يُغفر لهم، في حين أن الله يغفر للخطايا الأخرى لمن يشاء. التفسير القرآني لبعضه يبرز أن المغفرة هنا تتوقف على إرادة الله وحكمته المطلقة.

3. تفسير آية “فَإِنِّي قَرِيبٌ” (البقرة: 186)

أهمية تفسير هذه الآية يتجلى من خلال ربطها بما ورد في آية أخرى من القرآن التي تبين قرب الله تعالى من عباده. في قوله تعالى:

“وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ” (غافر: 60)

هنا، نلاحظ أن الدعاء هو نوع من التقرب إلى الله، وأن الله قريب من عباده ويسمع دعاءهم، وهو ما يتوافق مع ما جاء في آية البقرة. وبذلك يتضح أن القرآن يشير إلى قرب الله تعالى بشكل معنوي ويمهد لفهم علاقة الله بعباده.

4. تفسير آية الرحمة “وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ” (الأعراف: 156)

الرحمة التي ذكرها الله في هذه الآية تجد تفسيرًا واضحًا في آيات أخرى. في سورة النمل، يقول الله تعالى:

“وَرَحْمَتِي فَسِّحْ لِعِبَادِي…” (النمل: 6)

هنا، يظهر التفسير القرآني لرحمة الله الشاملة، التي وسعت كل شيء من الخلق إلى العباد. الرحمة التي يتحدث عنها القرآن ليست محدودة أو مقيدة، بل هي رحمة تتسع وتغطي كل جوانب الوجود، وبالتالي فإن آية الأعراف تشير إلى سعة رحمة الله التي تشمل كل شيء.

5. تفسير آية الصيام “يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ” (البقرة: 3)

تفسير هذه الآية يتم بالرجوع إلى آيات أخرى تذكر قضية الإيمان بالغيب. في سورة آل عمران، يقول الله تعالى:

“إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَن آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ…” (آل عمران: 199)

الآية تفسر حقيقة الإيمان بالغيب الذي لا يُرى ولا يُلمس. ويدل ذلك على أن المؤمنين بالله وباليوم الآخر عليهم أن يتبعوا ما جاء في القرآن من إيمان بوجود الله وأسمائه الحسنى وآياته التي تُثبت الحقيقة.

الخاتمة

إن تفسير القرآن بالقرآن هو أداة هامة لفهم معاني كتاب الله. ومن خلال الأمثلة السابقة، يتبين كيف أن القرآن يوضح بعضه البعض ويشمل شرحًا لآياته من خلال الرجوع إلى آيات أخرى مشابهة أو مكملة. إن هذا التفسير يعكس جمال التنسيق والاتساق بين آيات القرآن الكريم، ويزيد من عمق الفهم الإيماني للقراء.